Wednesday, September 8, 2010

"Don't say 'never again' to Damascus" ...

Nicholas Nassif in Al Akhbar: (For some reason, I do not believe that Saad Hariri's 'mea culpa' (s) have had the described 'resounding effects' in Damascus!)
كان الزعماء اللبنانيون، في الغالب، عندما يخوضون مجازفات سياسية مكلفة ذات بعد إقليمي، أو تمثّل جزءاً من تجاذب أو نزاع إقليمي، يمضون فيها إلى نهايتها المكلفة بدورها. حتى العقود القريبة، يتذكر اللبنانيون جيّداً أن كمال جنبلاط استمر في الخلاف مع الرئيس حافظ الأسد على وجود سوريا في لبنان عامي 1976 و1977 واغتيل، من دون أن يتساهل حيال جهود المصالحة معه. والرئيس كامل الأسعد جازف عام 1983 بافتراقه عن دمشق، فأخرجته من رئاسة المجلس من غير أن يسعى إلى مصالحتها. والرئيس صائب سلام اختلف مع سوريا عام 1984، ولم يخطر في باله استعادة علاقته بها بمصالحتها حتى انقضى عمره المديد. كان الزعماء الثلاثة حلفاء لسوريا. ابتعدوا عنها، ولم يفكر أي منهم في الاعتذار من رئيسها ونظامها، لأن كلاً منهم كان يعتقد بأنه هو على حق في هذا الخلاف، متمسكاً بنظرته إلى خياراته الوطنية التي ينبغي أن تجاريها دمشق، لا العكس.
بينهم مَن ذهب إلى الموت، ومَن ذهب إلى عزلة قاتلة لزعامته، ومَن ذهب إلى المنفى

اليوم بات الاعتذار بوابة حتمية للمصالحة، كامتحان جنبلاط الابن الذي اعتذر عن إساءة شخصية، أو امتحان الحريري الابن الذي اعتذر عن إساءة الخيار السياسي.
لكن اعتذاري الزعيمين الدرزي والسنّي ينطويان على أكثر من ملاحظة:

اعتذر جنبلاط فذهب إلى دمشق، بينما ذهب الحريري إلى دمشق كي يعتذر

أولاها، أن كلاً من جنبلاط والحريري اختلفت دوافعه للاعتذار من سوريا والأسد. تحت وطأة التهديد الشيعي للجبل بعد أحداث 7 أيار 2008 وافتقاره إلى دعم إقليمي حقيقي يعوزه في مواجهة داخلية، على غرار خوضه حرب الجبل عام 1983 بدعم سوري مباشر ضد القوات اللبنانية مكّنه من الانتصار الكامل، وجد جنبلاط زعامته للطائفة الدرزية في خطر حقيقي، هو أنها أضحت محاصرة من خصومه داخلها وخارجها، وأن الخيارات السياسية التي سلكها ضد الرئيس السوري منذ عام 2005 بلا ضمانات مسبقة أكيدة تهاوت تماماً، فضلاً عن أن الجبل نفسه أضحى مهدّداً. اختار التنازل تلو الآخر: المصالحة مع الشقّ الآخر في الطائفة، والخروج من قوى 14 آذار، والتسليم بالمقاومة قبل أن يطلب وساطة حزب الله للمصالحة أيضاً مع سوريا.
هكذا احتاجت تلك التنازلات كي تبلغ ذروتها في الاعتذار إلى ثمانية أشهر بين 2 آب 2009 و30 آذار 2010 عندما استقبله الرئيس السوري. دفع جنبلاط الثمن مرتين: محو الإساءة الشخصية للأسد، والوقوف وراء حزب الله في الخيار السوري في لبنان وحماية المقاومة
.
أما الحريري الذي غالى بين عامي 2005 و2009، حتى موعد الانتخابات النيابية، في توجيه الاتهامات إلى سوريا تارة بالاغتيالات المتتالية وزعزعة الاستقرار، وطوراً بمسؤوليتها عن الفراغ الرئاسي عام 2007، من دون أن يُكسب حملاته العنيفة عليها إساءات شخصية مباشرة، فقد أدلى باعتذاره الأول عندما ذهب رئيساً للحكومة إلى دمشق والتقى الأسد في 19 كانون الأول 2009 بناءً على طلب الملك السعودي عبد الله. يومذاك لم تقارب سوريا زيارته على أنها تنازل كبير كما شاع في تيّار المستقبل والشارع السنّي، مشابه لما أقدم عليه في ما بعد الزعيم الدرزي، بل محاولة أولى لتصويب خطأ رافق عداءه لسوريا بين عامي 2005 و2008. دُعي إلى المسار الجديد في العلاقات السعودية ـــــ السورية للمرحلة الجديدة قبل أن يطوي صفحة الماضي.
كان ينقص طيّ الصفحة تلك اعتذار عمّا شاب موقفه من الأسد وسوريا في السنوات الخمس المنصرمة، وتزعمه مع حلفائه تياراً سياسياً وشعبياً أعلن الحرب على النظام السوري وطلب من المجتمع الدولي الاقتصاص منه.
في الواقع، إن ما أدلى به الحريري قبل ثلاثة أيام هو أول الغيث ليس إلا. اختار جنبلاط إرادياً الاعتذار تحت وطأة الهزيمة السياسية والعسكرية، وأُرغم الحريري على الاعتذار الثاني بعدما بدا أن زياراته الأربع السابقة لدمشق لم تكن كافية لطيّ صفحة الماضي.
ثانيها، تطلّب اعتذار كل من جنبلاط والحريري من سوريا أزمة عميقة مع شارع كل منهما، وقد قاداه أكثر من ثلاث سنوات إلى مواجهة حادة مع دمشق مع كل ما رافق خطابيهما حيالها. مهّد الأول للشارع الدرزي والجنبلاطي الطريق بجرعات متتالية من تراجعه السياسي عن موقعه في قوى 14 آذار ذهاباً إلى الموقع الضدّ، واستغرقت محاولته إقناع هذا الشارع بصواب الانتقال إلى الخيار الضدّ على أنه الخيار الأصوب والطبيعي، بضعة أشهر إلى أن استوعب تناقضات أنصاره بين الذين تفهّموا خياره الجديد والذين لا يزالون يتمسّكون بشعارات قوى 14 آذار.
على طرف نقيض منه، لم يُعد رئيس الحكومة شارعه لتحوّل مماثل ولم يشرحه له. ورغم أنه لم يفاجئه بزيارته الأولى دمشق ومصالحة الرئيس السوري والمبيت لديه في قصر الرئاسة السورية، إلا أن الحجّة الوحيدة التي تسلّح بها رئيس الحكومة لتبرير تحوّله كانت المصالحة السعودية ـــــ السورية التي ألزمته هذا الخيار.
وخلافاً للحريري الابن، ومن قبله الحريري الأب، اللذين تجمعهما بالعرش السعودي علاقات مميّزة متشعبة الجوانب، لم يشعر الشارع السنّي، والبيروتي على الأخص، مرة على مرّ تاريخه القريب منذ عشرينيات القرن الماضي، بأن السعودية مثّلت مرجعية سياسية له. بين عقدي العشرينيات ومنتصف الخمسينيات احتلت سوريا الحيّز المرجعي قبل انتقاله إلى مصر الناصرية، ثم إلى التعلق بالثورة الفلسطينية بين منتصف الستينيات ومنتصف السبعينيات، قبل استعادة التحالف مع دمشق مذ ذاك حتى عام 2005. كان الحريري الأب جزءاً لا يتجزأ من هذا التحالف، ودافع عن العلاقة مع سوريا وبرّر نفوذها، ولم يطلب انسحاب جيشها من لبنان ولا إعادة انتشاره حتى اغتياله البشع.
بذلك بدا الشارع السنّي أكثر تشبّثاً باتهام سوريا باغتيال الرئيس الراحل، منه معنياً بمغزى المصالحة بين الرياض ودمشق.
لم يسع الحريري الابن تقديم الشرح الكافي لشارعه عن مصالحته مع سوريا سوى إعلان إصراره على علاقات مميّزة بين بلدين ندّين لم يكن قد خبرها قبلاً، وخصوصاً في ظلّ والده الراحل كي يفرّق ما قبل عام 2005 عمّا بعده. وهو باعتذاره الثاني عن مواقف وصفها بأنها كانت خاطئة ومتسرّعة تجاه سوريا، إذ اتهمها باغتيال والده، فاجأ شارعه مجدّداً عندما جرّده من قضية كان لا يزال يقودها أمامه منذ عام 2005. لم يكن اعتذار الحريري كجنبلاط شخصياً، بل انطوى على اعتذار عن مرحلة سياسية برمتها كان لرئيس الحكومة فيها شركاء أساسيون فاجأهم الاعتذار الثاني. بذلك لم تشر وسائل الإعلام التابعة لتيّار المستقبل إلى حديثه في الشرق الأوسط، ولا علّق عليه نواب التيار، ولا كذلك الكتلة النيابية.
ثالثها، أن المحكمة الدولية في اغتيال الرئيس الراحل تبدو الهدف التالي بعد الاعتذار. ولعلّ المفارقة أن الحريري، خلافاً للزعيم الدرزي، قرن اعتذاره عن الاتهام السياسي لسوريا بموقف موازٍ في أهميته، هو اعترافه لأول مرة، وبلا توطئة مسبقة، بشهود الزور الذين لم يكتفوا بتضليل التحقيق، بل خرّبوا بحسب قوله العلاقات اللبنانية ـــــ السورية. وفي ذلك إشارة بليغة إلى صنفين من شهود الزور: الذين ضللوا التحقيق، والذين عملوا من وراء الأولين على تخريب العلاقات اللبنانية ـــــ السورية.
بعد أشهر على مصالحته سوريا، تحدّث جنبلاط لأول مرة عن شهود الزور معترفاً بدور سلبي اضطلعوا به، وأنكر علاقته بهم. لكنه وضع المحكمة الدولية على طريق الشكوك مرتين على الأقل حتى الآن: عندما قال بعد زيارته الأخيرة لدمشق الشهر الماضي إن ثمّة مَن يستخدم المحكمة الدولية لإثارة فتنة مذهبية، وعندما قال قبل أسبوعين إن المحكمة الدولية تستخدم لتنفيذ القرار 1559 الذي يصفه بالقرار المشؤوم. أما الحريري فلم يرَ بداً، كي يكون اعتذاره الثاني كافياً مقدار ما ينبغي في تقدير دمشق، من إقران طيّ صفحة الماضي بأحد أسلحتها القديمة، أي شهود الزور، في انتظار قرن طيّ الصفحة نفسها بالسلاح الجديد، وهو القرار الظني.
مفاد ذلك، في أحسن الأحوال، أن ما قاله رئيس الحكومة، بمراجعة ذاتية أو بإيحاء، أول سبحة مفاجآت على بساط الاعتذار الثاني..

No comments: