تَمْثُل هذه الصورة في ذهن الرئيس، وهو يصغي إلى بعض معاونيه ينقلون إليه ردود فعل سفراء دول أجنبية حيال الأزمة الحكومية. أحد أبرزهم، وهو سفير أوروبي، قال لمعاون الرئيس إنه يضع المأزق الحكومي في المعادلة الآتية: معارضة متصلّبة ترفض التعاون والتفاهم، ورئيس مكلف لا يحسن إدارة دوره ولا يتقن الطريقة التي تنجّح أسلوبه في التفاوض مع الفريق الآخر. أما رئيس الجمهورية، يضيف السفير الأوروبي، فهو العاقل الوحيد بين الطرفين ويحظى بدعم الخارج، ولكنه لا يستطيع إيجاد حلّ للمشكلة. لا يكمن الخطأ فيه، بل في كون الآخرين غير مستعجلين تأليف حكومة جديدة.سمع سليمان كلاماً مشابهاً من بعض زواره من الوزراء السابقين والسياسيين الذين يقولون له، رداً على سؤاله عمّا يمكنه أن يفعل: افعل ما تفعله الآن.إلا أن رئيس الجمهورية، تبعاً لمعاونيه هؤلاء، يدرج موقفه من الأزمة الحكومية في المعطيات الآتية:1 ـــــ لا يتخلى عن دعوته إلى الحوار والتفاهم بين الحريري والمعارضة، ويستمر في بذل جهوده التي تتخذ في أوقات مختلفة أكثر من وجه: تحاوره المباشر مع كل منهما، دعوة أفرقاء طاولة الحوار الوطني إلى مناقشة الأزمة، التحرّك لدى الدول المعنية مباشرة بالأزمة لحملها على تسهيل تأليف الحكومة الجديدة.2 ـــــ لا يتراجع عن دعوته إلى تأليف حكومة وحدة وطنية، رغم انتقادات وجّهها إليه سياسيون في قوى 14 آذار مباشرة أو مداورة، ومفادها ضرورة أن لا يتمسّك بهذه الصيغة، ولا يجهر بها علناً، إذ يرى الموالون أنها تضعف مقدرتهم على التفاوض وتنتزع منهم أوراقاً للمساومة على تسوية متكافئة. في المقابل، يقرن رئيس الجمهورية مصير معادلة 15+10+5 بتوافق طرفي النزاع عليها سواء بالمحافظة عليها أو بتجاوزها إلى أخرى بديلة. وهو لن يقف في طريق هذا التوافق.3 ـــــ اضطلع بالحدّ الممكن في ممارسة صلاحياته بما لا يعرّض البلاد لهزّة. وهو يعتقد أن حكومة الوحدة الوطنية وثبات الاستقرار السياسي والأمني هما ضمان التوافق الداخلي. قاده هذا الموقف إلى عدم توقيعه التشكيلة الحكومية التي قدمها إليه الرئيس المكلف في 7 أيلول، فآل عدم توقيعه إياها إلى أحد أسباب اعتذار الحريري عن تأليف الحكومة في 10 أيلول. كان هذا الامتناع مظهراً دقيقاً للمعايير التي يستخدمها سليمان في ممارسته صلاحياته الدستورية. فلا يتجاهل هذه أو يفرّط بها، ولا يضع استخدام الصلاحيات، في المقابل، في مهبّ انقسام وطني أسوأ.لكن رئيس الجمهورية، في الأيام الثلاثة الفاصلة بين تسلّمه التشكيلة الحكومية وبيان الاعتذار، لم يتصرّف على أساس أنه تسلّم تشكيلة حكومية، ولم يقل في أي من مواقفه ولا في بيانات رئاسة الجمهورية كلاماً من هذا القبيل، حتى في اجتماعيه مع ممثلي المعارضة في الساعات الـ48 التي سبقت اعتذار الحريري. لقد أراد أن يتجنب إثارة جدل حول الطريقة التي اتبعها الحريري في إعداد تشكيلة لا يضعها إلا رئيس الجمهورية والرئيس المكلف معاً في اجتماع يعقدانه، ولا وجود سلفاً لها كي يتسلّمها رئيس الجمهورية خارج أصول التأليف التي تجعل الرجلين شريكين فيه، توطئة لتوقيعهما مرسوم الحكومة الجديدة. لهذا السبب الجوهري في نظر سليمان، ولأنه لم يرَ فيها حكومة وحدة وطنية، استخدم صلاحياته بعدم توقيع مرسومها.4 ـــــ ليست هذه هي الأزمة الحكومية الأولى التي يواجهها. إبان تأليف السنيورة حكومته الثانية بين أيار وتموز 2008، وقد استغرق تعثّر التأليف 44 يوماً هي مدة التنازع على الحقائب، استقبل الرئيس أفرقاء من قوى 14 آذار حضّوه على توقيع مرسوم التأليف ووضع المعارضة أمام الأمر الواقع، وقالوا له إنهم يدعمونه. ثم زاره أفرقاء في قوى 8 آذار وشجّعوه على إجراء استشارات نيابية ملزمة جديدة بعد إلغاء تكليف السنيورة بسبب إخفاقه في التأليف، وقالوا له أيضاً إنهم يدعمونه. في الحصيلة، كما روى سليمان، لم يُصغِ إلى هؤلاء ولا إلى أولئك. وبحسب استنتاجه أنه لو فعل لما تألفت حكومة أبداً. وهو يعتقد أن عامل الوقت والحضّ على التفاهم والاتفاق كفيلان بتذليل كل مشكلة.تنطوي إشارته هذه على أنه يريد أن يمنح الحريري في تكليفه الثاني مهلة قد تستمر شهراً على الأرجح، كي يبذل كل الجهود الممكنة لإيجاد مخرج للمأزق الحكومي. وسليمان يحترم بذلك إرادة الغالبية النيابية التي سمّت الحريري رئيساً مكلفاً للمرة الثانية. بعد ذلك، منتصف تشرين الأول، يقرّر ما يتعيّن عليه القيام به.
"'America is something that can be easily moved. Moved to the right direction.They won’t get in our way'" Benjamin Netanyahu
Monday, September 21, 2009
"معارضة متصلّبة ترفض التعاون والتفاهم، ورئيس مكلف لا يحسن إدارة دوره ولا يتقن الطريقة التي تنجّح أسلوبه في التفاوض مع الفريق الآخر
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment