مع بدء أعمال المحكمة الدولية في لاهاي، يقدّم اللواء جميل السيد مطالعة يتطرق فيها إلى أسباب استمرار اعتقاله والضباط الثلاثة في سجن رومية، وإلى خلفيات إخلاء سبيل الموقوفين الآخرينربما هي من حسنات القَدَر وإنصافه للضباط الأربعة المعتقلين منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف سنة، أن تخطف قضيتهم معظم الأضواء الإعلامية في لاهاي بالأمس خلال حفل انطلاق المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، في الوقت الذي كان مفترضاً فيه بالسلطة اللبنانية وقضائها أن يستفيدا من هذا الحدث التاريخي لتسليط كل الأضواء على الحقيقة والعدالة في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، لكن تلك السلطة آثرت، ببعض قادتها وسياسييها وقضاتها، المتأجّجين بمشاعر الثأر والانتقام والسيطرة، أن تذهب وإيّاهم إلى لاهاي، موصومةً بجريمة الاعتقال السياسي والاعتباطي للضباط الأربعة، فكان أن طغت هذه الجريمة على الحدث الأساسي، فتحوّل حفل الافتتاح، ثم المؤتمر الصحافي بعده، ثم المقابلات التلفزيونية اللاحقة للمدعي العام الدولي القاضي دانيال بلمار، إلى ما يشبه جلسات الاستجواب بشأن قضية اعتقال الضباط الأربعة، لولا أن سعى القاضي بلمار، بلياقته وحنكته، إلى استيعاب الأسئلة وتلطيف الأجوبة قدر الإمكان،... حرص القاضي بلمار على تأكيد وتكرار مواقفه النهائية التالية:ـــ إن المجرمين الذين ارتكبوا جريمة الاغتيال لا يزالون أحراراً.
ـــ إن الضباط المعتقلين هم «موقوفون» من جانب القضاء اللبناني وحده، ولا تنطبق عليهم لدى اللجنة صفة «متهمين» أو «مشتبه بهم».
ـــ إن القضاء اللبناني يبقى صاحب الصلاحية للقرار بشأن بتّ اعتقال الضباط لحين انتقال هذه الصلاحية إلى المحكمة بأسرع وقت ممكن.
ـــ إن نقل الضباط إلى لاهاي، إذا بقي هنالك موقوفون منهم، ليس قراراً شخصياً من المدعي العام، بل هو طلب يفرضه عليه نظام المحكمة الدولية، لتقديمه إلى السلطات اللبنانية لتسلّم ملف التحقيق منها، وهذا الملف قد يتضمن موقوفين إذا لم يفرج القضاء اللبناني عنهم قبل ذلك.
ـــ إنه، أي القاضي بلمار، قد سلّم، قبل أن يغادر لبنان، إلى القضاء اللبناني بشخص المدعي العام التمييزي سعيد ميرزا، رأيه النهائي بشأن بتّ مسألة اعتقال الضباط.
المجرمون لا يزالون أحراراً»، هذه الجملة قالها القاضي بلمار علناً وتكراراً، وسلّم رأيه في الضباط إلى القاضي ميرزا ومشى... هذه الجملة والأمور الأخرى سمعها جميع اللبنانيون بمَن فيهم أهل السلطة والسياسة والإعلام والقضاة والضباط في مختلف مواقعهم. أمّا القاضيان ميرزا وصقر، فقد أسمعهما القاضي بلمار، إضافةً إلى كل ما تقدم، فقد أسمعهما رأياً وموقفاً واضحاً بالنسبة إلى الضباط، فناما عليه وأخفياه ظنّاً منهما أن هذا الرأي ملك خاص وشخصي لهما، فيما رأي بلمار هو في الأساس، رأي العدالة في الضباط المعتقلين خصوصاً، وموجّه إلى اللبنانيين كلهم بوجه عام. فلماذا أخفى القاضيان هذا الرأي، بالتكافل والتضامن بينهما، لولا أن هذا الرأي قد جاء لمصلحة الإفراج عن الضباط؟ ومَن هي الجهة التي تحمي القاضي ميرزا وزميله، حتى تكون لهما القدرة والجرأة على حجب هذا الرأي وتجاهله وعدم العمل به، مع أنه جاءهما من أعلى مرجع في لجنة التحقيق الدولية؟؟
قليلون جداً أولئك الذين يعرفون أن القاضي ميرزا الذي حجب رأي اللجنة في الضباط عن جميع اللبنانيين، وعن بعض الدولة ورئيسها، إنما أَطْلَع في الوقت نفسه «البعض الآخر» للدولة، من سياسيين وضباط أمن موالين، على رأي القاضي بلمار، فطلبوا منه عدم تنفيذه والمماطلة فيه حتى لاهاي... وما دام لبنان بلداً بلا أسرار، فإن بعض هؤلاء الذين اطّلعوا من القاضي ميرزا على رأي اللجنة الدولية همسوا لصغارهم بأن رأي اللجنة كان أنها لا تعترض على أي قرار يصدر عن القضاء اللبناني بما فيه الإفراج عن الضباط الأربعة، وبالطبع حتى قبل لاهاي وقبل انتهاء صلاحية القضاء في لبنان!!وحده النائب وليد جنبلاط، الذي يمكن أن يكذِّب ما سأقوله، ببيان ربما غداً كالمعتاد، وهو يعرف تماماً أنني صادق في ما أقول، نعم، وحده النائب وليد جنبلاط الذي يعرف ما يجري بين اللجنة والقضاة، استشعر كعادته باكراً، حجم الورطة التي سيسبّبها استمرار الاعتقال السياسي وتجاهل رأي القاضي بلمار، فأخبر بعض مقرّبيه بأنه نصح النائب سعد الحريري بالإيعاز إلى القضاة لحل قضية الضباط المعتقلين منذ الآن، «أحسن ما ناكل كفّ ويطلّعوهم من لاهاي»، على حد قوله، ولحفظ ما بقي من ماء وجه القضاء اللبنانيبالطبع كان هذا الفريق من المستشارين يتوقع ببساطة أنه في الأول من آذار تنتهي حكماً صلاحية القضاء اللبناني عن ملف التحقيق، ويُرمى بالضباط المعتقلين تلقائياً إلى لاهاي فيرتاح القاضيان ميرزا وصقر بعدما سدّدا فاتورتهما السياسية حتى الرمق الأخير، وترتاح معهما السياسة التي تديرهما منذ بداية التحقيق. وهكذا فإن وزير العدل الدكتور إبراهيم نجار، وقبل يومين من لاهاي، أطلق تصريحاً يؤكد فيه أن يد القضاء اللبناني ستُرفع عن الملف والمعتقلين اعتباراً من منتصف ليل 28 شباط والأول من آذار.
المفاجأة والصدمة كانتا، أن القاضي بلمار، الذي أصبح مدّعياً عاماً للمحكمة في الأول من آذار، أعلن في حفل الافتتاح أن القضاء اللبناني سيستمر مسؤولاً عن الملف والمعتقلين لما بعد الأول من آذار، وإلى أن يطلب هو رسمياً من القضاء اللبناني تسليمه إيّاهم. وكما يقولون، حساب الحقل لم يتناسب مع حساب البيدر، فاضطر وزير العدل، الذي نشهد أنه ليس كشارل رزق، إلى إعادة تصحيح تصريحه السابق والانصياع لموقف بلمار، وهكذا عاد موضوع اعتقال الضباط إلى عهدة القاضيين ميرزا وصقر، ومعه الرأي السابق للقاضي بلمار بشأن الإفراج عنهم، وبقيت العقدة لدى القضاء اللبناني حتى إشعار آخر، وصدقت نصيحة النائب جنبلاط، وكَذَبَ الناصحون الآخرون.
التشويش بشأن موضوع الضباط المعتقلين كثير ومتشعّب، لكن الصورة واضحة حيث يجب، أي لدى القاضيين ميرزا وصقر والسياسة التي ترعاهما، كما هي واضحة لدى فخامة الرئيس ولدى باقي الدولة والمعارضة... قليلون جداً أولئك الذين يعرفون، مثلاً، أن المحقق العدلي صقر صقر الذي تسلّم ملف التحقيق منذ سنتين، لم يستجوب ولم يقابل، ولا حتى مرة واحدة حتى الآن، أياً من العميدين ريمون عازار ومصطفى حمدان، وقليلون جداً أولئك الذين يعرفون أيضاً أن القاضي صقر لم يقابل اللواءين جميل السيد وعلي الحاج إلا بناءً على إصرارهما وطلبهما!! وكثيرون يعرفون، ومنهم القاضي ميرزا قبل سواه، أنه حين انزعج هو والقاضي صقر من البيانات الإعلامية للّواءين، استخرجا من جعبتهما شاهد الزور أحمد مرعي، الموقوف منذ أكثر من سنة ونصف سنة بجرم السرقة والانتماء الأصولي، ومارسا بواسطته فولكلوراً إعلامياً متواصلاً للإيحاء بوجود تحقيق، فيما أحمد مرعي نفسه كان قد اعترف رسمياً بمحاولة توريطه في قضية الضباط الأربعة، وبأنه لا يعرف عنهم أي شيء، فاضطر القاضي ميرزا والمقدم وسام الحسن إلى التبرّؤ منه ومن صدقيته، فيما المحقق العدلي بقي مرمياً في الواجهة، إلى أن استجوبت لجنة التحقيق الدولية هذا الشاهد الزور، فتوقفت المتاجرة به أخيراً...قليلون أيضاً يعرفون أن القاضي صقر أيضاً، أبقى الأخوين عبد العال في عهدته لمدة سنتين في الاعتقال، فلا هو رآهما ولا استجوبهما طيلة تلك الفترة، ثم إذا به يفرج عنهما فجأةً، بشفاعة الإفراج عن شاهد الزور إبراهيم جرجورة، لأن ذهاب جرجورة إلى لاهاي كان سيُعرّض النائب الذي لقّنه شهادة الزور للمساءلة، مما يحتّم إخراجه قبل لاهاي واستخدام الأخوين عبد العال تغطيةً لهذا الخروج. تماماً كما جرى تهريب شاهدي الزور محمد زهير الصديق وهسام هسام في الماضي. أمّا بدعة القضاء اللبناني وصديقه ديتليف ميليس في هذا المجال، فكانت أن يستحضرا شهود الزور، فيشهد هؤلاء على الضباط وغيرهم، فيُعتقل هؤلاء بناءً على شهادة الزور، ويُهرّب شهود الزور، لتكذّب بعدئذٍ اللجنة الدولية شهود الزور، وتبلغ القضاء اللبناني بهذا التكذيب، ويبقى، رغم ذلك كله، الضباط معتقلين بأوامر من ميرزا إلى صقر ومن السياسة إلى ميرزا!!! وهذا الأخير هو نفسه مَن اعترف بذلك، ليس لعشرات الأصدقاء فحسب، بل حتى لرئيس لجنة التحقيق الدولية السابق سيرج براميرتس وبوجود شهود من اللجنة والقضاة. فأيّ قضاءٍ هو هذا؟ وأيّة عدالة؟ ولماذا يهربون بفضائحهم هذه إلى لاهاي، ويهرّبون شهود الزور من درب لاهاي، ويأملون أن تتستّر عليهم لاهاي بضغوط سياسية دولية؟ وأيّة عدالة وصدقية ستبقى للاهاي إذا وافقت على التستّر عليهم وعلى شهود الزور وأسيادهم وعلى الاعتقال السياسي للضباط؟قليلون جداً أولئك الذين يعرفون أن الضباط الأربعة لم يخضعوا، منذ أكثر من ثلاث سنوات، أي منذ مغادرة ميليس، لأي استدعاء أو استجواب من جانب لجنة التحقيق الدولية. وبمعنى آخر، فإن هؤلاء الضباط معتقلون من دون أي تحقيق دولي أو لبناني منذ مغادرة محمد زهير الصديق وهسام هسام وتهريبهما، وها إن القاضي بلمار انتقل من رئاسة التحقيق إلى الادّعاء العام في لاهاي، فإذا كانت اللجنة لم تقابلهم هنا ولم تحقق معهم هنا، فما معنى نقلهم إلى هناك؟ وهل من مصلحة المحكمة الدولية أن تتطابق مع ما سمعناه من القاضي ميرزا منذ حزيران 2006، من أنه «لا شيء عنده ضد الضباط، لكنه لا يستطيع أن يفرج عنهم وأن (يضع آل الحريري بظهره)، وأنه مطلوب منه الممطالة في الاعتقال حتى المحكمة الدولية والرمي بهم إليها»!! هكذا قال، وهو يعرف أنه قال، وأنه لا يمكن أن نكذب، وعندما تلتقي عين الحق مع عين الباطل، تنكسر عين الباطل حكماً...
القاضي بلمار يشهد له الجميع، هو قام بمعظم واجبه قبل المغادرة وأعطى رأيه للقضاء اللبناني بشأن الضباط، واعترف في رسالته إلى اللبنانيين بأن اللجنة لم تستطع بلوغ الكمال، وأنه فعل ما في وسعه من أجل ذلك. ونحن نعترف بأنه وسلفه القاضي براميرتس فعلا الكثير للاقتراب أكثر ما يكون من العدالة، لكن القضاة اللبنانيين، القاضيان ميرزا وصقر بالتحديد، خذلا العدالة الدولية...
القاضي بلمار يقول، عن حق، إنه ربّما مع انتقال اللجنة الدولية إلى لاهاي تُحلّ عقدة بعض الألسنة التي تخاف أن تتكلم في لبنان.. نحن، الضباط الأربعة، عسكريون محترفون من مدرسة الشرف لا داعي إلى نقلنا إلى هناك لهذا الهدف.. ليس عندنا عقدة الخوف لا هنا ولا هناك. ما عندنا قلناه هنا وبكل وضوح وانفتاح وسعي للحقيقة، لأن اغتيال الحريري اغتال في الوقت نفسه سمعة الضباط وتاريخهم وعائلاتهم ومهنتهم، ومشكور براميرتس وبعده بلمار، لأنهما صحّحا الكثير من هذا التزوير، ووضعا الأمور في نصابها.
لاهاي يجب أن تبدأ بشهود الزور والذين من ورائهم، لا بالضباط. الضباط ينبغي أن يطلقوا من لبنان بالذات، وسيكونون بتصرف لاهاي ساعة تشاء، للمساعدة بما تشاء، في إطار الحق والحقيقة والعدالة. الضباط ليس عندهم شيء للمقايضة في لاهاي. وإن عدم الإفراج عنهم في لبنان من جانب القضاء اللبناني، وقبل لاهاي، هو عمل سياسي بامتياز! وإن تأخير الإفراج عنهم في لبنان بالذات، هو عمل سياسي بامتياز، وخصوصاً أن تنقّل الصلاحية بين القضاء اللبناني والمحكمة الدولية لا يوجب حكماً نقل الضباط المعتقلين، ما دامت اللجنة الدولية كانت على بعد خطوتين منهم في عين سعادة ولم تستجوبهم طيلة ثلاث سنوات، وما دام القاضي بلمار قد زوّد القضاء برأيه. فلماذا نقل الضباط؟ نقل الضباط إلى لاهاي هو عمل سياسي بامتياز أيضاً!!
عندما نقول بعدم الانتقال إلى لاهاي، فليس ذلك خوفاً منها ولا لأيّة حسابات أخرى. فالذين يجب أن يخافوا من لاهاي يعرفون أنفسهم، وهم بالضبط المجرمون ممّن اغتالوا الحريري أولاً، وهم ثانياً مَن سعى لتزوير التحقيق في هذه الجريمة.
القاضي بلمار يعرف تماماً أن العدالة يمكن تنفيذها من أي مكان، هو يعرف أيضاً أن الضباط لم يعتقلوا بالأمس بل منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف وظلماً... الرأي العام اللبناني والضباط المعتقلون يأملون من المحكمة أن لا تَرِثَ الثوب الملطّخ الذي يحاول القضاء اللبناني أن يلبسها إيّاه قبل انطلاقها. هذا الثوب الملطخ بالعار والظلم اسمه «اعتقال الضباط السياسي والتعسفي»...
مطلوب من المحكمة الدولية أن ترفض إلباسها هذا الثوب في لبنان وأن لا تنقله معها إلى لاهاي، لأنه لا يجوز أن تكون لاهاي ممسحة للقضاء اللبناني ولا للسياسة في لبنان. ومن غير المسموح به قتل المحكمة الدولية قبل ولادتها!!الأيام القادمة ستحمل الجواب إلى الجميع. فلتكن عدالة.
"'America is something that can be easily moved. Moved to the right direction.They won’t get in our way'" Benjamin Netanyahu
Wednesday, March 4, 2009
Jamil AsSayyed: "Releasing Jarjoura was to protect his M14 'Coach', .. and the Abd el Aal brothers for 'cover'.."
AsSayed's 'comments' are in Al Akhbar, here
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment